2017 / 17 سبتمبر

لن تصبح أبدًا مشهورًا – وهاذا أمر جيد.


You’ll Never Be Famous — And That’s O.K.

لن تصبح أبدًا مشهورًا – وهاذا أمر جيد.
كتبت/ أميلي أصفهاني سميث  Emily Esfahani Smith
نشر في نيويورك تايمز بتاريخ :SEPT. 4, 2017
 ترجمة/ نواف البيضاني 

يستميت طلاب الكليات هاذه هاذه الأيام، لتغيير العالم، وكثير منهم يعتقد أن عيش حياة ذات معنى يتطلب أن يأتوا بشيء ما خارق للغاية و جاذب للانتباه كأن يصبح أحدهم أحد مشاهير إنست‫ݠ‬رام، أو أن يؤسس شركة ناجحة نجاحا باهرًا أو أن ينهي أزمة إنسانية!

أن يكون لك مطمح مثالي ، دون شك، جزء لا يتحزأ من كونك شابًا.  والشكر لوسائل الإعلام الاجتماعية، فقد أصبحت الأهداف والغايات مدمجة بالافتتان: وأصبحت الحيوات الاستثنائية تبدو في الشابكة وكأنها تمثل الحياة العادة.!

ورغم ذالك، فإن فكرة أن الحياة ذات المعنى يجب أن تكون أو تبدو حياة متميزة لم تعد فكرة نخبوية بل أصبحت فكرة مُضَلَّلة. وخلال الخمس سنوات  الماضية ، كنت قد أجريت مقابلات مع الكثير من الناس في أنحاء البلاد عن ما الذي يعطي لحياتهم معنى، وجردت آلاف الصفحات في علم النفس، والفلسفة، وبحوث علم الأعصاب لأفهم ما الذي يجلب الرضا للبشر.

وتعلمت أن أكثر الحيوات معنى لم تكن تلك الحيوات الاستثنائية، بل الحيوات العادية التي عاشها أصحابها بكرامة.

لعله ليس هنالك ما يعبر عن تلك الحكمة أكثر من رواية جورج إليوت “مدل مارچ” MiddleMarch وهو كتاب أعتقد أنه على كل طالب جامعي أن يقرأه. في بضع وسبعمئة صفحة، تحتاج إلى تفانٍ وانضباطاً، وهنا بيت القصيد. و مثل الحياة ذات المعنى، فإن إتمام هاذا الكتاب صعب المنال ويتطلب جهدًا. بطلة الرواية هي دوروثيا بروك Dorothea Brooke، فتاة ثرية من طبقة نبيلة في بلدة إن‫ݠ‬ليزية ريفية. كانت دوروثي ذات مزاج عاطفي وتتوق إلى إنجاز  بعض الخير في العالم كفاعلة خير. أما بطل الرواية  ترشيوس ليد‫ݠ‬يت   Tertius Lydgate، فطبيب شاب طموح يأمل أن يحرز اكتشافًا طبيًا مهمًا. وكلاهما يود أن يعيش حياة ملحمية.

كل من دوروثي وترشيوس ينتهي بهما المطاف إلى زواجين مأساويين- هي تزوجت من القسيس السيد كوسوبون Casaubon، وهو تزوج من جميلة البلدة روزاموند Rosamond. وشيئًا فشيئًا اضمحلت  أحلامهما. روزاموند التي   اتضح أنها كانت مغرورة وسطحية، تريد من ترشيوس أن يزاول مهنة  مربحة بما يكفي لسد ((لرغباتها المتحررة)) ، وفي نهاية الرواية، يرضخ لها، ويهجر سعيه في البحث العلمي ليصبح طبيبًا ذائع الصيت. ورغم كون هاذايعتبر عرفًا “نجاحًا”، إلا أنه مات في الخمسين من عمره معتقدًا أنه كان فاشلًا لأنه لم يواصل خطة حياته الأصلية.

أما بالنسبة لدوروثيا، فبعد وفاة الموقر كوسوبون، فتتزوج حبها الحقيقي، وِل لَدِسلو  Will Ladisaw. بيد أن أحلامها الكبرى لا تتحقق. وفي بادئ الأمر يبدو كما لو أنها هي أيضا قد أهدرت قدراتها.

مأساة ترشيوس أنه لم يصالح  نفسه أبدًا مع الحقيقة الرتيبة. وأما انتصار دوروثي فهو أنها فعلت.

في نهاية الرواية، تستقر حياتها كزوجة وأم، وتصبح، كما كتب إليوت ، “مؤسسة لا شيء”. وقد يبدو هاذا خيبة للقارئ ، ولاكن ليس بالنسبة إلى دوروثي.  تنغمس دوروثي في أدوارها كأم وزوجة لها “نشاطات مفيدة لم يترتب عليها أن تقاسي آلام الشك كي تكتشفها وتستوضحها لنفسها.

وبينما نظرت من نافذتها ذات يوم، إذ رأت عائلة تشق طريقها إلى أسفل الطريق، فأدركت أنها هي أيضًا، “جزء من حياة نابضة قسرية، إلا أنها لم تستطع النظر إليها من ملجئها (منزلها) الفاخر لتكون مجرد مشاهد، ولا أن تخبئ عينيها في شكوى أنانية”. وبعبارة أخرى، فقد بدأت تعيش اللحظة. بدلًا من الاستسلام ليأس الأحلام المحبَطة،  فقد اعتنقت حياتها كما هي و قدمت لمن حولها بقدر ما تستطيع.

هاذه هي كلمات إليوت الأخيرة عن دوروثيا: “فكامل طبيعتها تشبه ذلك النهر الذي حطم قوته الملك قورش الفارسي ، فتشعب في جداول لا أسماء لامعة لها على وجه الأرض . إلا أن تأثير وجودها في من كانوا حولها كان منتشراً إلى حد لا يُحصى ؛ أن نمو الخير لدى الناس يعتمد جزئياً على أحداث غير تاريخية ، وكون الأشياء إيجابية معي ومعك ، على عكس ما يفترض أن تكون عليه ، يعود فضله لأولئك الذين قضوا حياتهم بإخلاص وغموض ، ثم رقدوا في قبور لا يزورها أحد .”

إنه أحد أجمل المقاطع الأدبية، فهو يلخص ما الذي تمثله الحياة ذات المعنى: وهو أن تتصل وتسهم في شيء ما يتجاوز الذات،أيا كان الشكل المتواضع الذي يتخذه ذالك التواصل والبذل.

معطم الناسئة لن يحققوا الأهداف المثالية التي وضعوها لأنفسهم. ولن يصبحوا ماك زوكربر‫ݠ‬ القادم. ولن يحصلوا على نعي (استثنائي) ينشر في الصحف كهاذا [المقال]. بيد أن هاذا لا يعني أن حياتهم تنقصها الأهمية والقيمة. كلنا لدينة دائرة أشخاص نستطيع أن نلامس حيواتهم ونؤثر عليها إيجابًا ونستطيع أن نجد معنى [لحيواتنا] في ذالك.

 

هنالك مجموعة جديدة ومتزايدة من البحوث عن “المغزى أو وجود المعنى” meaningfulness تؤكد الحكمة التي تقدمها رواية إليوت _ وهي أن المعنى لا يوجد في النجاح و بريق [الشهرة] ولاكن في الأمور العادية.

بينت إحدى الدراسات أن البالغين الذين يؤدون أعمالًا منزلية لذيهم شعور بالمسؤولية أقوى.

لماذا؟  يعتقد الباحثون أن السبب أنهم يسهمون في شيء أكبر: عائلاتهم. ودراسة أخرى خلقت إلى أن إبهاج صديق كان نشاطًا يخلق معنى في حياة المرء البالغ.

الناس الذين يرون في مهنهم فرصة لخدمة مجتمعهم المباشر يجدون معانٍ أكبر في عملهم، سواء كان أحدهم محاسبًا يساعد عميلًا أو عاملة مصنع تقوت أسرتها بمرتبها.

حينما يتوجه الطلاب لمدارسهم هاذه السنة، يجب أن يضعوا هاذا في الحسبان: لا تحتاج لتغيير العالم أو أن تجد هدفك الحقيقي لاعيش حياة ذات معنى.

فالحياة الطيبة هي حياة الخير- وهاذا أمر يطمح له الجميع، مهما كانت أحلامهم وظروفهم

 

تنويه : ترجمة الاقتباسات أخذتها من ترجمة  د. حيان السباعي لرواية مدل مارچ.

‫ݠ‬ ينطق مثل حرف G في Go.

چ ينطق كافًا مكشكشة مثل Ch في Cheese.

أبدِ إعجابك وشرفنا بمتابعتك:

No comments so far.

LEAVE YOUR COMMENT